هل حوّلت السلطات المصريّة البلاد إلى “ثكنةٍ عسكريّةٍ” فأفشلت دعوات محمد علي للتّظاهر؟
elarraf
اخر تحديث :
في الضفّة المُوالية للرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي، يبدو أنّ الأخير قد وفى بوعده، ومرّ يوم أمس الجمعة المُفترض للاعتراض والتظاهر المِليوني على خير وما يُرام، فالرئيس كان فور وصوله إلى المطار عائداً من نيويورك صباح الجمعة، قد أبلغ المُتجمهرين بانتظاره باكراً، أنّه لا داعٍ للقلق من الدعوة للمُظاهرات، بل إنّ المِصريين سيخرجون بالملايين لو طلب منهم ذلك، كما حدث يوم التفويض 2013.
الاستجابة لدعوات المُقاول والممثل محمد علي للخُروج والتجمهر للمُطالبة برحيل السيسي، كانت محدودةً بالفعل، فخرجت مُظاهرات بمناطق ريفيّة ونائية، وتم فضها سريعاً، وهي ضربة مُوجعة، ومُؤلمة، لآمال محمد علي بتحقيق رحيل سريع للرئيس السيسي الذي يقول مُشكّكون بدعواته تلك، بأنها جاءت لتدمير الاستقرار، وأخذ البلاد إلى الفوضى.
محمد علي يُباهي.. والبلاد تتحوّل إلى ثكنةٍ عسكريّة
رجل الأعمال محمد علي، أقرّ هو الآخر ضمنيّاً في آخر مقاطعه المُصوّرة، والمنشورة على صفحته، بفشل دعواته، وكان قد حيّى القِلّة القليلة التي خرجت استجابةً لدعواته، لكنّه تفاخر أيضاً، واعتبر أنّ “انتصاره” في المعركة، يكمُن في “استنفار” الدولة المِصريّة وقوّاتها الأمنيّة، وإغلاقها جميع المنافذ المُؤدّية للشوارع والميادين الحيويّة في المُدن الرئيسيّة، وتحديداً العاصمة، على وقع مقاطع الفيديو التي نشرها، والقلم الذي يحمله، ويظهر فيها.
خرائط تطبيق “جوجل” أظهرت بالفِعل، إغلاق الأمن المِصري جميع الشوارع الرئيسيّة والحيويّة في البلاد الجمعة، وكيف تحوّلت العاصمة القاهرة إلى “ثكنةٍ عسكريّة”، كما أظهرت الصور إغلاق كوبري 6 أكتوبر، وإغلاق كوبري النيل، كما تم إعلان إغلاق محطّات المترو لأغراض الصيانة كما أُعلن رسميّاً.
ولم تقتصر الأمور عند حد الإغلاقات الأمنيّة، والتي كان ملحوظاً تزايد رجال الأمن في الميادين الرئيسيّة للمُدن الكُبرى، بل وصل الأمر إلى تفحّص الأمن للهواتف الشخصيّة بحثاً فيها عن محتوى سياسي، وهو ما أكّدته بالفِعل وكالة “رويترز”.
معركة تستوجب التحشيد
الدولة المِصريّة ونظامها الحالي، اعتبروا الدعوات لخُروج المُظاهرات بمثابة معركة، تستدعي التحشيد لدعم الرئيس السيسي، وهو ما كان بالفِعل، حين امتلأت ميادين تأييداً للرئيس، واعتلى منصّاتها فنانين للغناء والاحتفال، لكن خصوم الرئيس عبد الفتاح السيسي، يُؤكّدون أنّ تلك الحشود، ليست إلا من مُوظّفي الدولة، والمُنتفعين منها، بالإضافة إلى قائمة من الإغراءات كتوزيع وجبات طعام مجّانيّة على المُحتشدين دعماً، إلى جانب توزيع خمسين جنيه على كُل مُؤيّد مُشارك منهم، وصورة الوجبات جرى تداولها، ونشرها محمد علي عبر صفحته الرسميّة التي تحمل اسم “أسرار محمد علي”.
فشل المُظاهرات بين وجهتيّ نظر
هُناك خلافٌ لافتٌ وملموسٌ في الأوساط المُؤيّدة، والمُعارضة للرئيس السيسي، حول الأسباب الحقيقيّة التي “أفشلت” تلك الدعوات، وهي تنحصر بالأكثر بين وجهتيّ نظر:
الأولى، ويتبنّاها المُوالون للسيسي، تقول إنّ المِصريين، اكتشفوا محمد علي على حقيقته، وأنه مدعوم من جماعة الإخوان حيث ساهم في ذلك الإعلام المِصري، ومُحاولات تشويه صورته كان آخرها ظُهور فنانة مغمورة، وحديثها عن تعرّضها للتحرّش من قبل محمد علي، لكن بدون دلائل مُوثّقة، كما أنّ قِطاعٌ عريضٌ من الشارع المِصري، لا يرغب بالعودة إلى حالة الحُكم الانتقالي، كما أنه ثار سابقاً، ولم يخرج من حلقة سيطرة حُكم المُؤسّسة العسكريّة، وبالرغم من الحالة الديمقراطيّة التي سادت البلاد حين انتخاب الرئيس الراحل السابق محمد مرسي، كأوّل رئيس مُنتخبٍ للبلاد.
الثانية، وجهة نظر تجول في الأوساط المُعارضة للسيسي، وتقول إنّ الشارع المِصري عنده رغبة حقيقيّة بالتغيير، وصُدم بالفِعل من اتّهامات محمد علي للرئيس، وبنائه القصور الرئاسيّة، خاصّةً أنّ علي آتٍ من قلب النظام، ويعرف خبايا صفقاته، ومُضطّلع عليها، وكان قد خرج بالفِعل الجمعة الماضي في الميادين العامّة منها القاهرة والاسكندريّة، لكنّ القبضة الأمنيّة التي حولّت العاصمة لثكنة، حالت دون خروج المُتظاهرين، كما أنّ حالات الاعتقالات للمُتظاهرين التي سبقت يوم التّظاهر المُفترض الجمعة في أسبوع وصلت إلى أكثر من (2000)، ليبقى السؤال مطروحاً في أوساط المُعارضين عن مدى استجابة الشارع إلى دعوات محمد علي جمعة أمس، في حال تُرك المصريين، حُريّة الرأي والتعبير، والمُطالبة برحيل السيسي.
مُفارقات السيسي.. واستراتيجيّة الاستنزاف
الرئيس السيسي بكُل الأحوال، وكما يرى مراقبون، لا يزال غير مُقتنع بأنّ ثمّة مُعترضين على حُكمه، ويعتبر أنّ هؤلاء لا يُمثّلون حقيقة رأي الشارع، ويربطهم بالإرهاب، وتيّار الإخوان، ويتعهّد بالتصدّي لهم، وهو الذي كان قد وعد بأنه سيترك الحُكم في حال شعر بأنّ المِصريين لا يرغبون به، وحتى دون خروجهم للميادين، وهي عبارة كان قد أعادها كرّرها محمد علي في استعراض مُفارقات الرئيس، مُطالباً إيّاه بتنفيذ وعوده بالرحيل.
في أوساط المُراقبين، يُرَجّح بعد الجمعة أنّ محمد علي بات غير قادرٍ على تحشيد الشارع المِصري، بعض النّظر عن الأسباب التي أدّت إلى فشله بفرصته الاستثنائيّة الجمعة، سواء بفِعل اتّهاماته بالخيانة، أو تشديد القبضة الأمنيّة في مُواجهة دعواته للتّظاهر، وأنّ حديثه عن استخدام استراتيجيّة الإجهاد والإنهاك بمعنى “الاستنزاف” ودفع الشرطة والأمن للاستنفار 24 ساعة تحسّباً لتظاهرات فجائيّة، قد تُعطي مفعولاً افتراضيّاً بالأكثر، ويتحوّل مع الأيّام إلى “مُعارض افتراضي” شأنه شأن من سبقوه، واتّخذوا من وسائل التواصل الاجتماعي منبراً للمُعارضة، دون أيّ تأثيرات على الأرض، إلا في حال امتلاكه مُفاجآت جديدة، ينجح من خلالها باستفزاز الشّارع.
تويتر المُتّهم.. ومُظاهرات “قبل قليل”
التغطية الإعلاميّة المُرافقة لتظاهرات الجمعة، أو “جمعة الخلاص” كما أسماها محمد علي، انحصرت بين قنوات الإعلام الرسمي المِصري الذي اهتم كعادته بالحشودات المُوالية للسيسي، أمّا إعلام الإخوان كما تصفه أدبيّات السلطة، وعلى رأسهم “الجزيرة”، فقد أفرد مساحات واسعة لتغطية المُظاهرات المحدودة تحت عُنوان بث مظاهرات “قبل قليل”، وبثها طِوال اليوم، فيما جرى تنافس افتراضي في جرد أعداد التغريدات التي ظهرت على وسوم مُوالية للسلطة، وأخرى مُعارضة لها، وكان لافتاً اختفاء وسم “جمعة الخلاص” من بين الوسوم المُتصدّرة في مِصر، حيث وجّهت أصابع الاتّهام لإدارة “تويتر”، بينما بقيت وسوم الانتصار على المُؤامرة الإخوانيّة، وتفويض السيسي متصدّرةً، رغم اقتصارها على مئات التغريدات، ممّا يُؤشّر على هزيمةٍ افتراضيّةٍ أيضاً بحق المُقاول محمد علي.